إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

التغريدات الـ «تويترية» أمام المحاكم الكويتية: الـ FOLLOWERS حرية.. والـ RETWEET عقوبة شخصية




مبارك العبدالله


المحاكم ملاذنا الأخير.. قد تكون كلمة غالباً ما تقع على مسامعنا من الأصوات التي شعرت بالظلم، لكنها وجدت الفرج في نهاية المطاف بعد صبر طويل من جهة تسمى أحكامها بـ«عنوان الحقيقة»، كما أننا قد نسمعها من القانونيين الذين حصلوا على أحكام براءة لموكليهم بعد جهود مضنية في البحث عن خيوط تقود إلى الحقيقة في إبعاد التهمة عمن سلموهم رقابهم وأوكلوهم قضاياهم. واليوم يتكرر الأمر بالنسبة للحرية، فهي وجدت أيضاً متنفساً بعد أن ضاف الخناق عليها من قبل الأجهزة الأمنية في استدعاء العشرات من المغردين عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، والتحقيق معهم وإسناد تهم إلى البعض منهم، بأنهم أذاعوا أخباراً خارجية تضعف هيبة الدولة، وهي تهم «أمن دولة». إلا أن الدعاوى الأخيرة والقليلة التي مرت على المحاكم الكويتية تم التأكيد فيها على أن المساس بالأديان هو أمر مجرم، ولا يجوز التطرق إليها نهائياً، لذا أصدرت أحكاماً بالحبس على بعض الأشخاص الذين تطرقوا إلى هذا الأمر عبر تويتر. أما مسألة إذاعة أخبار خارجية من شأنها إضعاف هيبة الدولة خارجياً، فقد أكدت المحاكم على أن هذا الموقع «تويتر»، ولئن كان على شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت»، إلا أن ما يعرضه أو ينشره المشترك فيه لا يكون متاحاً للجميع في داخل البلاد أو خارجها، ولا يمكن الاطلاع عليه سوى من قبل عدد محدود من الأفراد وهم المتتبعون لهذا المشترك followers. وتوضح المحاكم أنه إذا كان هؤلاء جميعاً داخل البلاد، فإنه من غير المقبول اعتبار أن العرض أو النشر قد تم في الخارج، أما إذا أعيد إرسال ما عرضه أو نشره المشترك من قبل متتبعيه إلى مشتركين آخرين retweet ليصل إلى خارج البلاد، فإن المسؤولية عندئذ لا تقع عليه، وإنما على من قام بإعادة الإرسال، باعتبار أن العقوبة شخصية.


تشير المحاكم في الأحكام الصادرة ضد المتهمين والمتعلقة بقضايا المغردين إلى أن الشخص لا يتحمل إلا وزر نفسه، ولا يتحمل وزر غيره، وهو ما أكدته المادة 33 من الدستور التي جاءت تطبيقاً لقوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى». ووجدت المحاكم في قضية المغرد ناصر أبل التي حكمت فيها الأسبوع الماضي أنه تبين أن ما أذيع من المتهم أو نشر لا يضر بأمن الدولة، لذلك فإن الجريمة لا تتحقق لانتفاء خطر الفعل، والمحكمة بما لها من سلطة في فهم وتحصيل الواقع في الدعوى وتقدير مدى توافر أركان الجريمة، ترى أن ما ارتكبه المتهم لا يشكل خطراً على أمن الدولة، لا من حيث إضعاف الثقة المالية في الدولة أو المساس بهيبتها واعتبارها، ولا من حيث الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، فالتغريدات لا تعبر إلا عن رأي شاذ للمتهم، الذي لا يمثل أي جهة رسمية أو غير رسمية في الدولة، ولا ريب في أن هذا الرأي لا يعبر عن رأي حكومة الكويت أو شعبها الذين تربطهم أواصر المحبة والإخوة والتلاحم منذ قديم الزمن بحكام الخليج وشعوبهم الكريمة، كما أن هيبة الكويت واعتبارها وعلاقاتها أعلى وأمتن من أن يزعزها قول ممجوج غير متزن وواضح الاختلاق.


اختصاص القضاء الكويتي


وفي ما يخص اختصاص القضاء الكويتي من عدمه في نظر قضايا تويتر، أكدت المحاكم أنه من المقرر أن النص في المادة 11 من قانون الجزاء، «على أن تسري أحكام هذا القانون على كل شخص يرتكب في إقليم الكويت وتوابعه جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، وتسري على كل شخص يرتكب خارج إقليم الكويت فعلاً يجعله فاعلاً أصلياً أو شريكاً في جريمة وقعت كلها أو بعضها في إقليم الكويت»، يدل على أن القضاء الكويتي يختص في نظر الجرائم المعاقب عليها، وفقاً لنصوص قانون الجزاء متى ارتكبت في إقليم الكويت وتوابعها، وكلما تحقق في إقليم دولة الكويت الركن المادي لأي من تلك الجرائم أو أحد عناصره، وإذا كان الركن المادي لأي جريمة يتكون من سلوك إجرامي ونتيجة ضارة وعلاقة سببية بينهما، فإن تحقق أي من هذه العناصر في دولة الكويت ينشئ لمحاكمها اختصاصا بمحاكمة الجاني وفقاً لأحكام القوانين السارية فيها.
وتشير المحاكم إلى أن الأصل في تطبيق القانون الجزائي هو القاعدة المعروفة بقاعدة الإقليمية، التي تعد من أهم مظاهر سيادة الدولة وسلطانها على ما يقع في إقليمها من جرائم.


الحريات والافتئات


ومن أروع القوانين التي استندت إليها المحاكم هي المادة 32 من الدستور، التي تنص على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها»، إضافة الى المادة الأولى من قانون الجزاء التي تنص على أنه «لا يعد الفعل جريمة، ولا يجوز توقيع عقوبة من أجله إلا بناء على نص في القانون».


وتؤكد المحاكم أنه إذا انعدم النص فلا جريمة ولا عقوبة، وهو ما يعرف بمبدأ الشرعية الجنائية الذي يضمن عدم الافتئات على حريات الأفراد في المجتمع، ويقرر صراحة سيادة القانون، موضحة أن القاضي لا يستطيع أن يعتبر فعلاً معيناً جريمة إلا إذا وجد نصاً يجرّم فيه المشرع هذا الفعل، فإن لم يجد مثل هذا النص فلا سبيل أمامه إلا القضاء بالبراءة حتى لو اقتنع بأن ما ارتكبه المتهم مناقض للعدالة أو الأخلاق أو الدين، أو أنه ضار بالمجتمع أبلغ الضرر.


وفي خوض المحاكم لقضايا «تويتر»، والتي تطرقت فيها إلى تهم أمن دولة، وبالتحديد المادة 51 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الجزاء التي تنص على أن «يعاقب بالحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات كل كويتي أو مستوطن في الكويت أذاع عمداً في الخارج أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها أو اعتبارها أو باشر بأي طريقة كانت نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد».


واكدت المحاكم ان المستفاد من هذا النص، ان المشرع استهدف حماية الثقة المالية في الدولة، وهيبتها واعتبارها في نظر الخارج، اضافة الى كل مصالحها القومية، ولذلك فان هذه الجريمة لا تفترض وقوعها في زمن الحرب، وانما يستوي ان تقع في زمن السلم او الحرب على السواء، وتعد هذه الجريمة من جرائم الفاعل الخاص، اذ يلزم للتأثيم بموجبها ان يكون الجاني كويتيا او مستوطنا في الكويت وقت ارتكابه الفعل.


واشارت الى انه جاء في قضاء محكمة الدولة العليا المصرية ان تعبير المصلحة القومية هو تعبير عام واسع المدلول، وقصد به المشرع كل مصلحة تهم الدولة من الناحية السياسية، او تمس سيادتها في الخارج او الداخل او عناصر الحكم فيها، وهذه العبارة الشاملة تتضمن اي عمل يمس اي مصلحة سياسية او اقتصادية من مصالح الدولة، وفضلا عن توافر الركن المادي فإنه يلزم لاكتمال عناصر التجربة في هذه الجريمة توافر الركن المعنوي، فهذه الجريمة من الجرائم العمدية التي تتطلب القصد الجنائي العام، ويقوم هذا القصد على علم الجاني بجنسيته او باستياطنه فعلا في الكويت، وعلمه بأن نشاطه من شأنه ان يلحق الضرر بإحدى المصالح المذكورة في النص، ولا يفترض في الجاني انه انتوى فعلا إلحاق الضرر بالثقة المالية بالدولة او هيبتها واعتبارها او مصالحها القومية، ولكن يكفي ان يكون الفعل المادي من حيث طبيعته الذاتية منتجا لذلك في اغلب الحالات او في عدد متوسط او حتى قليل من الحالات.


تحقير الأديان


لكن المحاكم، في الوقت نفسه، شددت على ما يتعلق بتحقير اي من المذاهب الدينية في عالم «تويتر»، موضحة ان المشرع ارتأى تجريم المساس بالأديان والمذاهب الدينية حرصا على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي من جانب العابثين بالاديان، الامر الذي يمكن ان يعرض المجتمع باسره الى اضرار بالغة الخطورة، وذلك لحساسية المسائل الدينية، والجريمة المنصوص عليها في المادة 111 من قانون الجزاء، يقوم ركنها المادي على وجود آراء مذاعة تتضمن سخرية أو تحقيراً أو تصغيراً لدين أو مذهب ديني، فالجاني يتعمد اثارة مشاعر أبناء طائفة من الطوائف التي تعتنق هذا الدين أو المذهب، ويشترط أن يكون ذلك بإحدى طرق العلانية الموضحة، كما يشترط أن تكون السخرية أو التحقير أو التصغير من خلال الطعن في عقائد أو شعائر هذا الدين أو المذهب، أو في طقوسه أو تعاليمه، ومن ثم يقع التعدي بكل ما يعد قدحاً أو ذماً فيه، ويكفي أن يكون ذلك بالتلميح الذي يفهمه أفراد المجتمع في العادة، أما الركن المعنوي لهذا الجريمة فإنه يقوم على القصد الجنائي العام بعنصري العلم والارادة.


المصدر: القبس الكويتية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق