إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

140 حرفاً تقلب الإعلام رأساً على عقب.. تويتر حتى الهذيان









السلطات حاولت حجب {تويتر} أيام {ثورة 25 يناير} في مصر (أ. ف. ب)


مونا شوله 


قدّم موقع تويتر منذ إنشائه في 2006 وسيلة لنشر رسائل قصيرة عبر الانترنت وإلى الهواتف الخليوية. سهلة الاستخدام ومجانية، وصلت هذه الخدمة اليوم إلى مئات ملايين المستخدمين. فهل تصبح إذا «النبض الإعلامي للعالم» مثلما أراده لها مصمموها؟


بعد خمسة عشر عاما على فتحها أمام الجمهور العريض، هل يمكن لخصوصية شبكة الانترنت، الوسيط الذي يخترعه مستخدموه، أن تبقى عصية على الكثير من التحليلات؟ لا تزال الشبكة تعتبر مجرد تلاق لوسائل إعلام متواجدة في فضاءات أخرى، بيد أن الباحث دومينيك كاردون يعترض على هذه الرؤية، لكونها تشكل «نقلا كسولا على الانترنت لنماذج تبلورت في الوسائط التقليدية: ممارسة للرقابة التحريرية، ومفهوم سلبي للجمهور». 


بيد أن طبيعة الانترنت الخاصة باتت بديهية بشكل خاص منذ ظهور الشبكة العنكبوتية من الجيل الثاني، وأدواتها سهلة الاستخدام. إذ سمحت منصات المدونات لمستخدمي الانترنت المفتقدين لأي مهارات خاصة لجهة البرمجة بأن يصلوا إلى نشر ما يريدونه بأنفسهم. لكن التنميط المحقق للمواقع الذي نجم عن ذلك قد تسبب - بعيدا عن فورة الإبداعات الأولى - في خيبة بعض الرواد الأول.


منتجون جدد


وقد مثل ازدهار الشبكات الاجتماعية مثل Myspace - الشعبية جدا لدى البعض من الموسيقيين - وفيسبوك وتويتر، مرحلة نوعية في توسيع دائرة المنتجين. وعلى الرغم من تزايد مراكمة وسائل التعبير، تسمح الشبكة الاجتماعية «لمستخدمي الانترنت - الأقل امتلاكا للرأسمال الثقافي - بالحضور ضمن أشكال أكثر اختصارا وخفة وسهولة من تحرير مدونة إلكترونية». والحماسة لا تتراجع: إذ على الرغم من عدم تأكد نجاحه على المدى الطويل بعد، بات آخر محركات البحث (غوغل) يحصي ما يقارب الـ 25 مليون مستخدم بعد شهر واحد على إطلاقه في يونيو 2011. في حين لم يصل فيسبوك إلى هذا الرقم سوى بعد ثلاثة أعوام على وجوده، وتويتر بعد 33 شهرا. مطلع شهر أغسطس الماضي، وبعد دورة بيع أسهم جديدة، باتت شبكة تويتر تقدر بثمانية مليارات دولار، مما دفع البعض إلى التحدث عن فقاعة مضاربة، لكون النموذج الاقتصادي لهذه الشبكة ما زال متأرجحا. 


أوصلت تويتر المطواعية والقبول المتاحان على الشبكة التشاركية إلى أوجهما. والشركة باتت تبدو تتقدم دوما من دون رؤية بعيدة المدى، تعيد تحديد نفسها يوما بعد الآخر، وتصادق شيئا فشيئا على جميع مبادرات مستخدميها. فالسؤال الذي ظهر على موقعها عند إنشائه عام 2006، «ماذا تفعل في هذه اللحظة؟»، لم يكن مؤهلا بالضرورة لإنتاج دفق من المعلومات المثيرة، فتم غالبا تجاهله من قبل المرتفقين الذين راحوا يخصصون الـ 140 حرفا من «زقزقاتهم» tweets لجميع المواضيع الممكنة والمتخيلة: إنتاج مراجعتهم الخاصة للصحف، والتعليق على الأحداث، مباشرة أحيانا، والتخاطب الفوري، والإعلان عن التجمعات، والمزاح، والتشارك في الصور والفيديوهات، وتمرير الإعلانات المبوبة.. تلقت الشركة ما يحدث، واستبدلت سؤالها الافتتاحي في نوفمبر 2009، بآخر أكثر انفتاحا: «ما الجديد؟». 


معلومات وثرثرة وتعليقات


كما اعتاد المستخدمون، وفي سبيل نشر «تويت» يعبر أمامهم يسليهم أو يلفت اهتمامهم، أن ينسخوه ويسبقوه بإشارة RT، أي «إعادة زقزقة» retweet، ليوصلوه إلى قرائهم. هنا أيضا جرى عام 2010 لتبني هذه الوظيفة ضمن الخدمة وظهر زر Retweet.


من الصعب اليوم تصنيف هذه الفاعلة الرئيسية في شبكة الانترنت. فهل تويتر شبكة اجتماعية تسمح بالتبادل مع الأصدقاء، على غرار فيسبوك، أم هي وكالة أنباء يعمل الجميع فيها في البث والتلقي؟ لم يعرف مؤسسوها يوما على أي رجل يرقصون. ففي عام 2010، عرفها رئيسها ومديرها العام المشارك في تأسيسها، إيفان ويليامز، على أنها «شبكة معلومات»، بيد أننا شهدنا بعد عام ظهور وظائف جديدة تهدف الى تسهيل «العثور على الأصدقاء».


تسعى شبكة تويتر اليوم وراء مكافحة المنافسة وإيجاد حلول للصعوبات التي يواجهها العديد من المنتسبين الجدد في تعودهم على استخدامها. بيد أن المبادرة لم تلق الإجماع: «أن نبحث عن أصدقائنا عبر تويتر»: لا شكرا!»، هكذا اعترض البعض. أو أيضا: «أصدقائي ليسوا مستعدين لتفهم هوسي بكاتي بيري» (مغنية البوب الأميركية). والواقع أن مستخدم الشبكة، بدل أن يعيد تكوين حلقة المقربين منه وأصدقائه ومعارفه على «تويتر»، يختار قبل كل شيء متابعة حسابات تبث مضامين تهمه، وحتى لو كان يعرف بعض من يبثون المعلومات، فإن مقاربته للأمر مختلفة. 


إضافة إلى ذلك، كل شيء هنا عمومي: ما «نزقزقه»، ومن نتتبع، ومن يتبعنا. بينما القاعدة على «فيسبوك» هي الدخول المحصور. قلة من مستخدمي «تويتر» يفعلون وظيفة «حماية التويتات». هكذا تكمن أهمية «تويتر» في أوسع حركة ممكنة للرسائل. في حين يسمح عمود «النزعات» في كل وقت في معرفة المواضيع المفضلة في العالم أو في بلد ما، لا بل في مدينة محددة. بيد أن الأداة تبدو فعالة على حيز صغير، حيث يمكن لكل فرد التلذذ في تأليف تشكيلته الشخصية من الحسابات التي يتبعها: الجدية أو الخفيفة، العمومية أو البالغة التخصص. ويمكن للحساب أن يدار من قبل فرد أو شركة أو جمعية أو مجموعة مناضلة أو حتى وسيلة إعلام.. مع ملاحظة أن %40 من المستخدمين لا ينشرون شيئا، وأن %20 من المسجلين ينتجون %80 من المضامين. 


تقاطع المعلومات بالمصادر


صور رحلة أو عيد يكون مكانها أفضل عبر «فيسبوك». إلا أن «تويتر» ليس ناقلا رقميا آخر، باردا ومحايدا، فقد أوجد علاقة جديدة مع المعلومات، تتقاطع فيه عبر العلاقة مع مصادر متعددة. وردة الفعل على الأحداث، التي كانت محصورة في ما مضى في دائرة مباشرة (أو في الافتتاحيات بالنسبة للصحافيين)، قد اكتسبت بعدا ووزنا عامين. ويتقاطع في فضاء «تويتر» خليط غير مسبوق من المعلومات والثرثرة والتعليقات، وهي نشاطات كانت منفصلة في السابق، ما يثير غالبا ريبة واحتقار من لم يعتادوها. إنهم على خطأ، برأي كاردون: «إذا كان تأكيد الذاتية، وتراخي الصرامة في أشكال التعبير، وتحويل المعلومات إلى نوع من اللعبة والسخرية والمسافة مع الأشياء والشائعة والاستفزاز.. إلخ، يتحول كلهم إلى نزعات مركزية في العلاقة مع المعلومة، فإن الحرص على الحقيقة والسعي وراء معطيات جديدة ما زال يتعزز». فالخداع والإشاعات الكاذبة تنفضح بسرعة: إذ إن المتابعة وتمحيص المعطيات اللذين كان الصحافيون وحدهم يتحملونهما، قد باتا شغل جميع مستخدمي الإنترنت، تحدثان في العلن وتحت الأضواء. هكذا، في أغسطس 2011، بعد أسابيع على التأكيد بأن صفحة الفتاة المثلية الجنسية الدمشقية كاذبة، كشف طالب بريطاني على «تويتر» مدونة عربية وهمية أخرى، بعد أن أثارت ريبته نشرها مقالات غير متماسكة ومنحازة.


خدمة متعددة الوظائف


تعود شعبية شبكة «تويتر» (التي غالبا ما تلقب بالسكين السويسري، المتعدد الوظائف) إلى التنوع الكبير لمستخدميه ولوجهات استخدامه الممكنة، بالتزاوج مع سمات تواصل جماعاتية قوية. وعلى صورة باقي الشبكات الاجتماعية، يمكنه أن يربط ضمن الإطار المتجانس «للتعريف الشخصي» أفرادا بعيدين عن بعضهم مسافة سنوات ضوئية. هم يتشاطرون الواجهة نفسها واللغة ذاتها وممارسات اجتماعية افتراضية مشتركة. ينتج عن ذلك نوع من لغة عالمية، مثل الأسبيرنتو، رقمية، استعادها المتظاهرون العرب في شتاء عام 2011 أو «الغاضبون» الأسبان في شهر مايو، على يافطاتهم كما لو أنها إشارات تعارف. إلا أن الفجوة التي تفصل بين المدونين تعود للظهور أحيانا بشكل ساخر: هكذا قام أنصار الديموقراطية في البحرين، المغتاظون من قمع المتظاهرين، بالتهجم في فبراير الماضي من خلال شبكة «تويتر» على أميرات العائلة المالكة، مما تسبب بردود فعل فيها من العجرفة ما لا يقاس: «دعوا النخبة تتحادث فيما بينها بينما يأكلكم الحسد بصمت (...). ليس ذنبي إذا كانت حياتك تعيسة، لا مال لديك، هذا هو الأمر؟ وتتألم لرؤية أناس مثلنا يستفيدون من الحياة، إيه ماذا بعد؟». كما تؤدي مرونة الأداة إلى سرعة في الرد ساهمت في شهرة «تويتر»، سمحت بتخطي هذه الشبكة بسهولة لكل وسائل الإعلام من وكالات الأنباء حتى فرق التصوير التلفازي. فما أن تأتي «زقزقة» (تويت) بحجم الرسالة النصية، حتى يطل العديد من المستخدمين انطلاقا من هواتفهم المحمولة. وما أن تُطلق أخبار مهمة حتى تنتشر بسرعة رهيبة. «لا شيء على علمي أسرع على الأرض من تويتر»، تلك كانت خلاصة أحد صحافيي «لوفيغارو»، مثل العديد من زملائه عند حصول اعتداءات بومباي في نوفمبر من عام 2008. وقد جعل التملك الجماعي للمعلومات من فضاء تويتر حيزا للمناقشات الحامية. نجد فيها الأفضل والأسوأ مما يصدر عن الجمهور: الإثارة المتبادلة، وتسلط العواطف، والتخلي عن أي مسافة، ولكن أيضا بلورة رؤية نقدية وتحليل مختلف عما تنتجه وسائل الإعلام التقليدية.


هكذا لا تعني «المتابعة المباشرة» فقط شريط الأحداث، بل تفكيكها الجماعي المتفاعل باستمرار مع تطوراتها الجديدة. لكن هذا التسريع المثير للدوران، مضافا إليه ظاهر الإدمان على «تويتر»، يطرح بعض التساؤلات. فاستخدام الإمكانات البشرية في الانتباه والفهم والمشاركة العاطفية حتى هذا القدر من التواتر والحدة، قد يؤدي إلى انهاكهم جميعا. هكذا يبلغ ذروته المنطق الإعلامي القائم على تتالي مراحل الاهتمام الشغوف واللامبالاة الكاملة إزاء الموضوع نفسه: فالذين اقتتلوا في مارس الماضي على الشبكات الاجتماعية حول شرعية التدخل العسكري في ليبيا، وكأن حياتهم ستتوقف على تداعيات هذا التدخل، قد ابتعدوا نهائيا عن ذكر القضية بعد أشهر قليلة. يمكن في هذا السياق التأمل في صياغة بعض التوصيات، مثل قول أحدهم: «أن هذا المقال عمره يوم واحد، لكنه ما زال يستحق القراءة».


(ينشر بالترتيب مع لوموند ديبلوماتيك)


لا «يفوتك شيء»!


من مخاطر «تويتر» أنه يجعلك تتعلق بالأحداث المباشرة، كفراشة ملتصقة بنافذة مضاءة، وتعيش في زمن لا كثافة فيه ولا عمق. وبما أن الموقع لا يوفر سهولة البحث عن الموضوعات ضمن محفوظاته، يبقى المعنيون خائفين من أن «يفوتهم شيء ما»، إذا ما فقدوا تواصلهم مع «تويتر»، مما أثار مرورا مخاوف الصحافي جان كريستوف فيرو: «أنظروا إلى أنفسكم، أنظروا إلينا، يخدرنا نهر الكلمات والأخبار والأفكار والمشاعر العابرة على شاشاتنا اللمسية». 
يقوم التحدي إذاً على ايجاد طريقة للاستقاء من النهر الرقمي من دون الغرق فيه، وفي مواجهة هذا التحدي، لا يمكننا سوى أن نحسد من كانوا يستنكرون، قبل عشرين عاما، الغزو الاستبدادي لتقنية جديدة اعتبروا أنها تخضعهم لجنون العصر، وهو «إما أن تستخدم آلة الفاكس وإما تزول من الوجود».


المصدر: القبس الكويتية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق